ابن منظور من أسرة علمية عريقة، اشتغل معظم أبنائها بالقضاء، وكان لهم في العلوم الدينية والأدبية مكانة محترمة، وينتهي نسبه إلى رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري الصحابي (رضي الله عنه)، ويحدثنا ابن منظور عن أحد مجالس والده فيقول "كنت في أيام الوالد –رحمه الله- أرى تردد الفضلاء إليه، وتهافت الأدباء عليه، ورأينا الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف التيفاشي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه". وقد ذكر من أفراد أسرته خمسة رجال تولى منهم أربعة منصب القضاء، وتلقبوا جميعًا بألقاب أهل العلم، فقد لقب والده بجلال الدين وأخوه بشرف الدين وجده بنجيب الدين، ولم يشتهر من نسل ابن منظور سوى ابنه الملقب بقطب الدين، الذي ولد بمصر عام 670 هـ، وكان كأبيه أحد كتاب ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم جاور في مكة مدة طويلة وانتقل إلى بيت المقدس حيث توفى ودفن هناك. كان ابن منظور شغوفًا بدراسة أمهات الكتب الأدبية والعلمية وتلخيصها، حتى وصل إلينا من قوله "وإني لم أزل مشغوفًا بمطالعات كتب اللغات"، وقال ابن حجر "كان مغرمًا باختصار كتب الأدب المطولة"، وورد عن الصفدي قوله "لا أعرف في كتب الأدب شيئًا إلا وقد اختصره"، وذكر الصفدي في نكت الهميان "لا أعرف في الأدب وغيره كتابًا مطولًا إلا وقد اختصره"، وقال "وأخبرني ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمس مئة مجلد"، ويقول السيوطي "واختصر كثيرًا من كتب الأدب المطولة كالأغاني والعقد والذخيرة ومفردات ابن البيطار، ونقل أن مختصراته خمسمائة مجلد"، وإلى جانب عبقريته الفذة في اللغة والنحو، ظهرت ملَكة الشعر عند ابن منظور، وثبت أنه نظم شعرًا رغم أن ما وصلنا من شعره يسير. وتشير بعض المصادر إلى أن ابن منظور تولى قضاء طرابلس الغرب (ليبيا)؛ ولقبوه بالطرابلسي ولكن يرجح أنه تولى القضاء في طرابلس الشام وليس طرابلس الغرب؛ للأسباب التالية: أن ابن منظور كان شافعي المذهب كما نص على ذلك المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك، وقد وصفه بقوله "وكان من أعيان الفقهاء الشافعية". وكانت طرابلس الغرب تتبع المذهب المالكي أو الحنفي، أما المذهب الشافعي فمن المعروف أن مصر والشام كانا من أهم مراكزه، ولم يكن إقليم طرابلس (الغرب) من الناحية الإدارية تابعا لمصر، أما طرابلس الشام فقد ثبت أن ابن منظور رحل إلى دمشق رفقة السلطان قلاوون سنة 682 و683هـ، ومن المعروف أن السلطان قلاوون استرد مدينة طرابلس الشام من الصليبيين عام 688هـ، فيكون احتمال تولي ابن منظور قضاءها قد وقع في هذه السنة أو بعدها.