تعد فاطمة الفهرية من نسل التابعي عقبة بن نافع الفهري القرشي مؤسس مدينة القيروان، وكان والدها تاجرا ثريا، انتقلت مع أسرتها من مدينة القيروان إلى مدينة فاس بالمغرب واستقروا بها، وكان والدها فقيها، ربى فاطمة مع أختها مريم تربية دينية، وكانتا على جانب من العلم والفضل. تزوجت فاطمة من زوج ثري، وبعد سنوات قليلة توفي مع والدها فورثت مالا كثيرا من أبيها وزوجها، كانت فاطمة توزع من ميراثها بسخاء على المساكين والمحتاجين حتى لقبت بأم البنين، وظلت فاطمة وأختها مريم بهذا السخاء حتى اهتدتا إلى بناء مسجدين يكونان صدقة جارية لهما، وذلك بعدما كثر الواردون على فاس أيام الإمام يحيى بن محمد بن إدريس الذي امتد سلطانه وعظمت دولته. أصبح الناس في حاجة إلى مسجد جامع كبير، وقد وقع اختيار السيدة فاطمة على حقل كان مما صار لأحد رجال الفضل من هوارة، عندما نادى الإمام إدريس الثاني بتعمير العاصمة منذ حوالي نصف قرن، ثم ورثه أبناؤه من بعده، في حين بنت أختها مريم جامعا آخر، أسمته جامع الأندلس في مدينة فاس عاصمة الدولة الإدريسية بالمغرب. بدأت أم البنين حفر الأساس في أول شهر رمضان من سنة 245هـ (30 نوفمبر 859م) وحفرت فيه بئرا لا تزال إلى الآن، ونذرت أن تصوم شكرا لله حتى تم البناء، وكان الإمام يحيى يطالع البنَّائين بنفسه تكريما للسيدة فاطمة إلى جانب العلماء والفقهاء. وكانت الطريقة التي سلكتها في بنائه، أنها لا تأخذ التراب وغيره من مادة البناء إلا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها مما هو خارج عن مساحتها، فحفرت كهوفا في أعماقها وجعلت تستخرج الرمل الأصفر الجيد والحجر الكذان والجص، وتبني به تحريا منها ألا تدخل شبهة في تشييد المسجد. ويرجع سبب تسمية جامع القرويين إلى مدينة القيروان الموطن الأصلي لفاطمة الفهرية، ويعد الجامع من أقدم الجامعات في العالم؛ فبعد أن كان مقصدا للعبادة تطور بفضل اهتمام الدول المتعاقبة على حكم المغرب؛ ليصبح جامعةً توفر العلم لطلابها، وكانت البداية الجامعية في العصر المرابطي وذلك لكثرة الوافدين إلى فاس لطلب العلم، فاشتهرت في ذلك الوقت بأنها عاصمة علمية تُشد لها الرحال، وكان جامع القرويين هو أول المراكز العلمية بفاس.