نشأت مريم الأسطرلابية في أسرة علمية، وتتلمذت على يد والدها؛ فهي ابنة العالم الجغرافي والفلكي المشهور كوشيار الجيلي المتوفى سنة (420هـ/1029م)، ويعرف أيضا بكوشيار الكيلاني نسبة إلى مدينة أستان كيلان إحدى محافظات إيران حاليا، ومن هنا نجد أن مريم الأسطرلابية نشأت في بيئة علمية تهتم بالفلك والرياضيات؛ جعلتها تتعمق في هذين العلمين إلى درجة الإتقان؛ مما ساعدها على العمل ببلاط سيف الدولة الحمداني في علم الفلك. لم يعثر لها على تاريخ ميلاد أو وفاة، إلا أنه من الثابت في المراجع أنها عاشت في العصر العباسي فترة حكم سيف الدولة الحمداني (303-356هـ/915-967م) مؤسس إمارة حلب شمال سوريا، كما أن اللافت للنظر أن المصادر التاريخية لم تذكر عن حياتها إلا القليل من المعلومات، رغم إسهاماتها العلمية الكبيرة في مجال الفلك وتفوقها فيه. كان من أهم أعمالها ابتكار الأسطرلاب المعقد وتطويره وصنعت أنواعا أخرى، والأسطرلاب آلة فلكية قديمة كانت تحل المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية كالشمس والقمر، وتحديد الوقت بدقة أثناء الليل والنهار، وقد اهتم بها المسلمون اهتماما كبيرا، وأطلقوا عليها "ذات الصفائح". ووجه الأسطرلاب يحتوي على خريطة القبة السماوية، كما يحتوي على أداة تشير إلى الجزء المنظور من القبة السماوية في وقت معين، وقد رسمت القبة المنظورة على وجه الأسطرلاب المسطح بطريقة حسابية دقيقة، وهي الطريقة ذاتها التي استعملت في رسم خريطة العالم (الكرة الأرضية) على مساحة مسطحة، وآلة الأسطرلاب المعقدة تُبنى عليها في وقتنا الحالي آلية عمل البوصلة والأقمار الصناعية، ومشابهة لطريقة عمل GPS.