استقرت عائلة محمد بن موسى الخوارزمي في قرية قُطْربُل على أطراف مدينة بغداد، تاركةً مدينة خوارزم بحثًا عن مستوى حياة أفضل، ولم ترجح المصادر التاريخية إن كان ولد بخوارزم أم قطربل، ولم يتفق المؤرخون على تاريخ مولده ووفاته إلا أنه عاش فيما بين عامي (164 – 234 هـ / 780 – 850 م). تعلم الخوارزمي علوم الشريعة واللغة العربية، وحفظ القرآن صغيرًا، وظهرت عليه علامات النبوغ في وقتٍ مبكرٍ، وعمل في بداية شبابه بالزراعة مع والده قبل أن ينتقل إلى بغداد، للدراسة ببيت الحكمة مصنع العلماء في ذلك الوقت، وبرع الخوارزمي في الرياضيات والفلك، واحتل مكانة كبيرة بين طلاب بيت الحكمة، وبدأ يتعلم اللغة اليونانية ليستطيع فهم العلوم من مصادرها الأساسية التي توفرت في مكتبة بيت الحكمة. وقبل أن يكمل عامه الدراسي الثاني؛ رأى معلموه أنه قد أتقن جميع العلوم، وقرروا اختباره الاختبار النهائي قبل انقضاء نصف المدة اللازمة لإتمام الدراسة، وأُجيز الخوارزمي أيضا للتدريس ببيت الحكمة وهو في الثانية والعشرين من عمره تقريبًا. أمر الخليفة هارون الرشيد بتعيين الخوارزمي في بيت الحكمة باعتباره عالم رياضيات، وطلب منه أيضًا المشاركة في ترجمة كتب الرياضيات اليونانية، واستهدف الخوارزمي اكتشاف طريقة سهلة لإجراء الحسابات المعقدة، والوصول لطريقة مبتكرة تُيَسِّر فهم الرياضيات للناس وتجعلهم قادرين على إجراء حساباتهم بأنفسهم. وبوصول المأمون للخلافة أمر بزيادة خزانة الكتب، وتولِّي الخوارزمي مسئولية بيت الحكمة بجانب عمله الخاص بترجمة كتب الرياضيات والفلك، فعَيَّن كبار المترجمين لترجمتها وأشرف عليهم، ثم أنشأ مرصدًا فلكيًّا بغرض رصد الأجرام السماوية ودراستها وقياس محيط الأرض وغيرها من الأمور العلمية، وطلب من الخوارزمي المشاركة في ذلك المشروع العملاق. أسند الخوارزمي مهمة ترجمة كتاب "سِدْهانتا" أشهر كتب الفلك القديمة والمكتوب باللغة السنسكريتية إلى الطبيب مُنكه الهندي، وقد تُرجم الكتاب قبل ذلك في زمن المنصور على يد محمد بن إبراهيم بن حبيب الفزاري، وأسماه كتاب "السند هند" ولكن ترجمة الكتاب لم تكن جيدة، وكان الكتاب من أهم الكتب التي تحتوي على معلومات فلكية وجغرافية في ذلك الوقت. وحينما نُقل الكتاب إلى العربية انكب عليه الخوارزمي يدرسه، وبدأ بكتابة ملاحظاته وتدوين شروحاته للأجزاء الغامضة، وقام بتلخيصه في كتاب أسماه "السند هند الصغير"، وقد صحح الكثيرَ من الجداول والحسابات التي وردت في الكتاب، واستطاع وضع زِيجٍ فلكي -جدول فلكي- خاص به سُمي بزيج الخوارزمي، وضع فيه حسابات دقيقة لحركة الشمس والقمر والكواكب الخمسة التي كانت معروفة في ذلك الوقت (عطارد، الزهرة، المريخ، المشترى، زحل)، ويعد الكتاب تحولًا كبيرًا في مسار علم الفلك. وبعده أصدر كتابًا عن آلة الأسطرلاب، وهي الآلة التي كانت تُستعمل لقياس ارتفاع الأجرام السماوية وحساب حركاتها، وسمي الكتاب "العمل بالأسطرلاب" إضافة إلى كتاب آخر عن المِزْوَلة؛ وهي الساعة الشمسية التي تحدد الوقت بالنهار حسب زاوية سقوط أشعة الشمس. اهتم الخوارزمي بعلم الجغرافيا، وبدأ يبحث عن الكتب التي تتحدث عن علم رسم الخرائط، ودراسة شكل الأرض، وقام بترجمة كتاب "الجغرافيا" للعالم السكندري كلوديوس بطليموس، الذي احتوى على معلوماتٍ رائعةٍ عن المدن والبلدان وإحداثياتها ومعالمها المميزة وخرائط لتلك المدن. وكان من نتاج ترجمة كتاب "الجغرافيا" كتاب جديد للخوارزمي وهو كتاب "صورة الأرض" الذي يعد من أهم الكتب التي ألفها، ويقول الدكتور شاكر خصباك في كتابه (الجغرافية العربية) "حظي الخوارزمي بتقدير فائق من لدن المستشرقين الأوروبيين، واعتبره البعض واضع أسس علم الجغرافية العربية، ونشر المستشرق H.V.Meik كتاب صورة الأرض سنة 1345م. اعتكف الخوارزمي وقتًا طويلًا يقرأ في كتب الرياضيات القديمة، وكان الهنود بارعين في الحساب بشكل كبير، أما الإغريق فتفوقوا في حساب المثلثات، وحساب المساحات، وإيجاد الجذور التربيعية، وقد استطاع الخوارزمي التأليف بين الرياضيات الإغريقية والهندية، ومن الأخيرة أدخل نظام الأرقام بدلًا من نظم الترقيم بالأحرف الأبجدية، كما نجحت جهوده العلمية الهائلة في إخراج علمٍ جديدٍ إلى النور وهو "علم الجبر والمقابلة"، وبدأ في شرح علمه الجديد في كتاب "المختصر في حساب الجبر والمقابلة". ورغم الإنجاز الكبير الذي أنجزه الخوارزمي فإنه ظل يفكر في طريقة الحساب الهندي، والتي من شأنها أن تطور علم الجبر وتُسهل على الكثيرين تعلم الرياضيات وإجراء الحسابات بسهولة، وكان الخوارزمي يعرف تسعة من الرموز التي تشير إلى الأرقام في الكتابة السنسكريتية التي وردت في كتاب "سدهانتا" والتي سميت بالأرقام الغبارية، وكان هناك رمزٌ واحدٌ غير مفهوم الوظيفة أشار المترجمون إليه بأنه يعني "لا شيء". وأخيرًا توصل الخوارزمي إلى مَن يشرح له طريقة الهنود (التي كانوا يعتبرونها من أسرارهم) في حل العمليات الحسابية، وكان يُدعى "كانكاه"، وألَّف الخوارزمي في ذلك كتابًا أسماه "الجمع والتفريق بحساب الهند" وشرح فيه المعارف التي تلقاها من "كانكاه" وكيفية استعمال الأرقام في إجراء الحسابات، وكيفية استعمال النظام العشري، ومن ترجمة كتب الخوارزمي إلى اللغات الأوروبية، دخل نظامُ الأعداد المسمى بالأعداد العربية إلى أوروبا.